ما رأيكم فى كل هذه الفجاجة الشعرية، تابعوا هذا المقطع الذى يكرره مصطفى كامل مع محمد فؤاد وجنات وإيهاب توفيق «ربنا وياك يابنى.. وقلوبنا معاك يابنى.. الله يقويك يابنى.. على من يعاديك يابنى»، أعلم أن فى الجعبة أغانى أخرى تتردد أكثر قبحا وأشد غلظة، الكل يستعد الآن بكل ما أوتى من حنجرة لكى يشارك فى المولد، لا أتصور أن نجاح «تسلم الأيادى» من الممكن أن يتكرر، صارت فى لحظة زمنية تحمل إطارا دلاليا تجاوز كونها مجرد أغنية تعجبك أم لا، أصبحت تعنى موقفا مع أو ضد الثورة، ولم يكن هذا فى الحقيقة لصالح ثورة 30 يونيو.
شاهدنا عديدا من المعارك، وبعضها وصل إلى حدود إراقة الدماء، تسللت الأغنية إلى الأفراح الشعبية، وإلى رنات الموبايل. ظرف تاريخى لن يتكرر.
الآن نعيش موقفا مغايرا، رئيس يأتى لسدة الحكم بأغلبية كاسحة، رغم وجود قصور فى تحليل تعبير كاسحة، وأعنى بهم الكتلة الصامتة، التوصيف الحقيقى لها كتلة غاضبة، حتى لو كان غلافها الخارجى يتحلى حاليا بالصمت الرهيب، تجاوزت هذه الكتلة حدود ما يمثله حمدين صباحى، إنهم جموع الشباب الذين لم ينضموا إلى السيسى، ولم يستطع خطاب حمدين احتواء غضبهم، لا ينبغى للمحللين استراتيجيين وغير استراتيجيين أن يعتبروا أن جموع المصريين التى توجهت للصناديق، وتراوحت تقديراتها بين 92 و96% مؤيدة للسيسى تعنى أن لديه نفس النسبة من التأييد بين جموع المصريين، هناك قوى شبابية رافضة الأمر برمته، تحتاج إلى قراءة نفسية وسياسية متأنية.
أن تتوجه الطاقة الآن لمجرد احتفالات غنائية على طريقة «ناصر كلنا بنحبك.. ناصر وح نفضل جنبك.. يا حبيب الكل يا ناصر» لمحمد عبد الوهاب، التى استنسخها شعبان عبد الرحيم وشاعره الملاكى إسلام خليل بعد 60 عاما، وأحالها إلى «كلنا بنحب السيسى»، ويضيف «منصب الرياسة يحتاج واحد أمين بتفكرنا بمنديلا وزعيم الأمة جمال»، ويضيف «ح نصحى الساعة خمسة خلاص مافيش كسل، الدقة معاك يا سيسى أحسن من الكباب». أعلم أن هانى شاكر وعمرو دياب وأنغام وآمال وشيرين وغيرهم لن يقفوا مكتوفى الأيدى، هناك إحساس يسكن فى المشاعر بأن من يتقاعس عن الإدلاء برأيه الغنائى ربما يوصف فى الحد الأدنى بأنه ليس متحمسا للعهد الجديد بما فيه الكفاية.
لا أستطيع أن أتحدث باسم الرئيس، وأجيب هل هو سعيد بتلك الأغانى؟ لكن من حقى أن أتحدث عن مشاعرى باعتبارى واحدا من أفراد هذا الشعب السميعة، وأقول إن مثل هذه الأغانى تجاوزتها الناس، بل إنها تذكرنا بما غنيناه فى الماضى للمخلوع مثل «اخترناه.. اخترناه» وأخواتها.
الظرف الزمنى تغير، الناس باتت تُدرك أن الغناء للوطن لا للفرد، صحيح أن جزءًا من أجهزة الإعلام يردد فكرة الرئيس المخلص الذى يملك العصا السحرية، لكن حتى تلك الكلمات تُشكل عبئا على السيسى، حاول فى خطابه الرسمى نفيها، بينما أهل المغنى لا يرددون غيرها.
سيقولون مثلما غنى العزبى لمبارك «لا يغدينى ولا يعشينى ولا فيه مصلحة بينى وبينه.. لكننا اخترناه اخترناه»، نعم، ربما لا ينتظرون شيئا من السيسى، لكن يجب ملاحظة أن العزبى منعته أيضا الدولة فى زمن مبارك من غناء موال يتناول فيه الزمن وعمايله لأن به مقطعا شكوا فى نواياه عن «الصبغة السوداء والشعر الأبيض»!
نضجت مشاعر الناس، أتحدث عن الأغلبية بالطبع، وإذا كان من الممكن أن نتقبل الغناء للزعيم قبل نحو 60 عاما، وعلى رأى أخينا الكهل التونسى «لقد هرمنا هرمنا»، نعم هرمنا هرمنا، ولم تعد المشاعر تتقبل «سيسى كلنا بنحبك سيسى وح نفضل جنبك يا حبيب الكل يا سيسى»، يا ليتهم يأخذون بنصيحة بيرم التونسى «يا أهل المغنى دماغنا وجعنا دقيقة سكوت لله»!