لست ممن يعادون الفرح والحبور والسرور ويفضِّلون الجهامة وثقل الظل، بالعكس العبد لله يحبِّز ويشجِّع التعبير عن البهجة والفرح، بل يطلبه ويحرِّض عليه بإلحاح، كلما كان لذلك سبب أو مقتضى.
ومع ذلك فإن تحويل استحقاق انتخابى خطير واستثنائى لاختيار أول رئيس «مدنى منتخب» فعلًا بعد ثورتين عارمتين وعظيمتين، إلى «زفَّة بلدى» صاخبة جدًّا إلى درجة تصم الآذان وتعمى البصر والبصيرة عن أخطاء وخطايا بلغت أحيانًا مستوى الجرائم التى لا تُغتفر، أظنَّه كان أمرًا متعمّدًا لكى ينسل الحرامى من خلف ستار الضجيج الرهيب ويتمكَّن، والناس مشغولة بالرقص والدنس، من تسلُّق «مواسير» العصر الجديد ويستقر بوسخه فوق كتف الرئيس المنتظر، على أمل أن يعيد هذا اللص نشاطه الإجرامى إلى سابق ازدهاره، وليذهب فى ستين داهية شعب ضحَّى تضحيات هائلة من أجل أن يرى بقعة ضوء فى نهاية نفق مظلم طويل لم يبدأ بنظام حسنى مبارك وولده ولا انتهى بدخولهما السجن وإنما ورثته عصابة «إخوان الشياطين» وعافرت على مدى عام كامل لكى تجرجره إلى ظلام التأخُّر والخراب الشامل قبل أن يتفجَّر نور ثورة 30 يونيو وينعش أمل كاد يتبخَّر فى بناء وطن ناهض متقدِّم ينعم أهله بالحرية والعدالة والكرامة والمساواة.
هذا ظنِّى، وليس كل الظن إثم، ويعزِّز هذا الظن بضع ملاحظات خطيرة انتقيت منها اليوم اثنتين فقط، هما:
أولًا: تلك العاصفة الكاسحة المقرفة من الأكاذيب الواطية والتشهير البذىء التى أطلقها قطعان النفاق والقذارة ضد المناضل النبيل الطاهر حمدين صباحى المرشّح المنافس للمشير عبد الفتاح السيسى، وقد بدا الأمر وكأن المطلوب هو عقاب حمدين على تجساره بالترشّح فى انتخابات أرادها أسيادهم أن تكون نقطة انطلاق للماضى الأليم لا للمستقبل الزاهر الذى طالما حلمنا به، ومن ثَمَّ كان كل هذا الفيض من الوسَخ هو الوسيلة الوحيدة التى تدرَّبت عليها هذه القطعان جيدًا (بعضهم تدرَّب فى أقبية مباحث التموين) لإجراء عملية تغيير جنس للانتخابات وتجريدها من ملامحها وسماتها التنافسية وتحويلها إلى حالة «مبايعة» صاخبة ومشبوبة (لكى لا أقول مجنونة) لرجل واحد بحيث يسهل بعد ذلك اختطافه من أحضان شعبه وإسباغ مسوح ملكية وسلطانية عليه تسمح أو تسهّل التسرُّب إلى بلاطه وحصد المغانم من تحت عباءته.
ثانيًا: هذا الصعود المفزع وذلك الحضور المقزّز لكل (تقريبًا) رموز ومقاطيع عصر الفساد واللصوصية والتزوير واحتلالهم المساحة الكبرى فى المشهد الانتخابى إعلاميًّا وحركيًّا على نحو أثار الرعب والإحباط فى نفوس الكثير من خلق الله، وقد كان ذلك واحدًا من أقوى العوامل فى حزمة الأسباب التى أدَّت إلى فتور حماس قطاعات مهمة من المواطنين الناخبين، مما استدعى اللجوء إلى فيض من الإجراءات الاستثنائية من أجل دفع هؤلاء الناخبين بالترغيب تارة والترهيب تارة أخرى، إلى مغالبة فتورهم وسحبهم سحبًا إلى لجان الاقتراع التى ظلَّت مفتوحة ثلاثة أيام فى سابقة ليس لها مثيل.
والخلاصة، أن نتيجة هذه الانتخابات التى ظهرت بشائرها غير الرسمية، تبدو محمَّلة (إضافة إلى مظاهر خصوصيتها واستثنائيتها الأصلية المكتسبة من طبيعة المرحلة التى يمر بها البلد حاليًّا) بدواعى قلق وخوف عظيمين سوف يتعيَّن على الرئيس المنتظر أن يهتم فورًا بالعمل على تبديدها قبل فوات الأوان، وقبل أن تصير النكسة التى يسعى إليها لصوص الأوطان واقعًا ماديًّا كئيبًا لن يكون بمقدور أحد أن يبقيه طويلًا.. لماذا؟! لأن أغلب المصريين تغيَّروا ولم يعد الصبر على الظلم والبؤس وسوء الحال من شيمهم ولا من عادتهم.. وربنا يستر.