المشير عبد الفتاح السيسى فاز برئاسة جمهورية مصر العربية.. وبنسبة مدهشة، لم تشهدها انتخابات حقيقية فى مصر قط.. المرشح المنافس وأفراد حملته سيملؤون الدنيا صراخًا، حول عدم نزاهة الانتخابات، وشبهات التزوير، وتعنت الدولة، والقلم اللى كان بينتش، والورق اللى بيشف، وعين أم سحلول، وغيرها من نظم الحمرقة والعصبية والتشنج، ورفض الاعتراف بالهزيمة.. ولن يغير هذا من الواقع، الذى شاهدته بعينى شيئًا.. فمن حسن حظى أننى أدلى بصوتى فى نفس اللجنة، التى يدلى فيها المشير السيسى بصوته.. ولقد ذهبت إلى هناك فى الثامنة والنصف، واندهشت لما أراه..
الناس فى طوابير طويلة، كلهم يؤكّدون أنهم هناك منذ السابعة، من أجل السيسى.. سكان العمارات المجاورة يملؤون الشرفات والنوافذ، ملوحين بالأعلام، فى انتظار وصول السيسى.. موظفو التأمين الصحى، الذى يطل مبناه على المدرسة، تكدسوا فى شرفته الكبيرة، يلوحون بالأعلام، وينشدون «تسلم الأيادى».. أدركت لحظتها أن السيسى هو الرئيس المنتظر، وإن كنت لم أتوقع فوزه بنسبة كبيرة فى الواقع، ولكن عند وصول السيسى عدت أراجع حساباتى.. لقد فجّر وصوله حالة من الفورة والحماسة لم أشهد مثلهما، منذ زمن ناصر.. هتافات وصراخ وفرحة جنونية.. الرجل إذن محبوب بحق.. ومن القلب..
علمت عندئذ أن الرجل يحظى بشعبية مدهشة، ستنعكس حتمًا على نسبة التصويت له.. والآن، وقد انفض المولد، وانحسمت النتيجة، كان من الطبيعى أن أراجع المحصلة، وأتساءل عن سر هذه النسبة الكبيرة.. منذ فترة، كتبت هنا أعتب على المرشح المنافس تبنيه لسياسة انتخابية ستينية، تعتمد على رشوة الناخبين بوعود عن عطايا وثنايا ومكافآت وحوافز ومستشفى وجامع.. عتبت عليه أن راهن على مَن أسماهم الشباب، متصورًا أنهم القوة الضاربة فى مصر، وغازل الإخوان والمتطرفين بحديثه عن محاكمة السيسى إذا ما فاز، ومحاولته استقطاب أصوات الأقباط، عبر اتهام السيسى بمسؤوليته عن أحداث ماسبيرو.. وغيرها وغيرها..
وعلى الجانب الآخر لم يحاول المشير السيسى الإساءة إليه بحرف واحد.. ولم يذكر حتى اسمه، لا هو ولا أفراد حملته.. الناس قارنت بين هذا وذاك، من منظور القيم والأخلاقيات.. وفاز السيسى.. السيسى أيضًا فاز بثقة الناس؛ لأنه كان صريحًا واضحًا، لم يعد أبدًا بما لا ينوى تنفيذه.. قال للناس إنه لن يستطيع من دونهم، فأدركوا أنه صادق.. وانتخبوه.. السيسى راهن على الشعب، ومنافسه راهن على من تصوّر أنهم الشباب.. ولكن هل اختار وراهن على الشباب بالفعل؟!... لهذا حديث آخر.