يقولون إن حملة السيسى قد ارتكبت حماقات عديدة، لأنهم أتاحوا لعدد من رموز زمن مبارك الاقتراب، اتضح من خلال مؤشر النتائج التى تجاوزت 95% أن الحملة كان عندها حق.
زمن مبارك لن يعود، ولكن المباركيين لا تزال فى أيديهم رمانة الميزان.
أن يأتى رئيس لمصر بهذه النسبة المطلقة خبر يفرح المتحمسين للمشير، ولكنه لن يصب فى صالح الدولة التى ننتظرها بعد ثورتين، عدت من مهرجان «كان» لألحق باليوم الثانى من الانتخابات وأضع الحبر الفسفورى على إصبعى، البعض يريد اعتباره بمثابة غشاء البكارة الوطنى، لا يتم اختصار الوطن فى بقايا حبر، ولا يجوز نزع الوطنية عمن يرى أنه غير مقتنع بالعملية برمتها فاختار أن يقاطعها.
أحمل فى أعماقى بقايا من أفلام ربما لم تحصل على أى نصيب من الجوائز فى «كان» ولكن أحيانا يحدث قدر من التداعى الحر فأتذكر واحدًا منها، والذى من الممكن تلخيصه فى تعبير «جه يكحلها عماها» مثل فيلم «قصص وحشية» حيث تنتهى جميعها بمواقف مأساوية، كان من الممكن أن نتجنبها. هكذا أرى الهيئة العليا للانتخابات وهى تضع قواعد أصول اللعبة الديمقراطية ثم تخترقها بعد لحظات، ثم تخترق الاختراق بعد لحظات أخرى، بحجة أنها سيدة قرارها!!
«العرس الديمقراطى» هذه العبارة محسوب براءة اختراعها وتداولها لصفوت الشريف، كان هو الهدف الذى تسعى أجهزة الإعلام لترويجه، استخدمت الدولة عديدًا من الأسلحة مثل تسريب شائعة دفع غرامة 500 جنيه لمن لم يذهب إلى الدائرة الانتخابية ليدلى بدلوه، فهى عصا الترهيب بعد أن فشلت محاولات الترغيب ليصبح السيسى الرئيس السابع. لا تنسَ أننا نبدأ العد بمحمد نجيب، والبعض نافَق، لأنه استوقفه رقم 7 وبدؤوا فى الحديث عن تفاؤلهم بالرقم، ولو كان السيسى الرئيس رقم 13 لكانوا سيتغزلون فى تفاؤلهم برقم 13، عادتهم ولن يشتروها.
أكثر ما يهدد النظام القادم هو تقاعس جزء كبير من الشباب الذى كان هو وقود ثورتى 25 و30، من الواضح أنهم رافضون حتى للوسطية الثورية التى يمثلها حمدين صباحى، هم لا يزالون يعيشون فى مثالية ثورية، وهذه هى قناعاتى فى قراءة المشهد القادم الذى ينذر بمخاطر للرئيس القادم صاحب نسبة 95%.
ولم يتوقف النجوم كعادتهم عن تقديم إشارات عاجلة تؤكد أنهم «سيسيون» مثلما كانوا فى زمن مبارك «مباركيين»، وكانوا فى طريقهم، لولا 25 يناير، ليصبحوا «جماليون»، صدقونى قسط وافر من هؤلاء لو كان مرسى ممسكًا بمقاليد الحكم بقبضة قوية لأصبحوا «مرسيين»، راجعوا فقط على «النت» ما قاله عادل إمام بعد لقائه مع مرسى عندما كان ضمن الوفد الذى حضر لقاءه مع المثقفين والفنانين، وكيف أفاض فى الإشادة بثقافة مرسى الفنية، وقبلها أيضا أفاض بمرونة وبشاشة المرشد بديع.
لست أدرى لماذا تذكرت هذا الفيلم «قصص متوحشة» الذى شاهدته فى مهرجان «كان» وأنا فى طريقى لكى أدلى بدلوى فى الانتخابات، الفيلم لم يحصل على جوائز ولم يعثر له على أثر يذكر فى كتابات النقاد، فيلم أضحكنى رغم مأساويته للمخرج الأرجنتينى داميان زيفرون عرض فى قسم «المسابقة الرسمية» ويتكون من ستة أجزاء، وهى من المرات القليلة التى نرى فيها عدة قصص فى عمل فنى واحد لنفس المخرج، ستجد فيضا من العنف إلا أنك لن تتوقف عن الضحك، فلقد استطاع المخرج أن يضع إطارا على مشاعر الجمهور حتى لا يتفاعل مع الشخصيات ليستمر فى الضحك عليها، أظن أن كثيرين وضعوا هذا الإطار وهم يتابعون حكاية التصويت ليتحول «العرس الديمقراطى» إلى فرح بلدى، ورقّصنى يا جدع.
زادت جرعة التأييد، ولا أتصورها من الممكن أن تصب فى صالح مصر القادمة، من يديرون الآن حال البلد لا يدركون خطورة تلك النسبة، أذكرهم بأن يتدبروا هذا الموقف الذى تعرض له خالد الذكر عبد السلام النابلسى «حسب الله السادس عشر» فى «شارع الحب» بعد أن وجد، وهو جوعان، حلة ملوخية من بلكونة زينات صدقى تنهال على رأسه فدعا الله «أن لا يبسطها أكثر من كده»!!