سأحكى لكم حكاية إبراهيم الفقى.
فكرت أن أكتب عما حدث فى اليوم الأول لانتخابات الرئاسة.. والأحق فيه تحولات المشهد من هستيريا إلى هستيريا، ومن ثقة فى السيسى- لا يحتاج انتخابات- إلى استدعاء أدوات الدولة كلها (قرار حكومى بالإجازة + تهديد بعقوبات الممتنع من النيابة إلى 500 جنيه) + استدعاء المحافظين والمسؤولين المحليين لشبكاتهم القديمة فى حشد الأوتوبيسات.. وهو انتقال صادم لأجهزة تحلقت حول السيسى لتشغل فراغًا أكبر منها.. وتثبت أنه لا حملة «أى بروفة جهاز سياسى» كما أن الإعلام هو كل ما لدى الجنرال المهووس بالتفويض.. يتصور أنه ينادى للشعب عبر الشاشات «وهذا يشير إلى أنه يفتقد شبكات سياسية واجتماعية هى أساس الحكم»)..
العودة إلى أساليب الدولة الشمولية فى الدفاع عن مرشحها تعنى كثيرًا من تحول الجهاز البيروقراطى إلى جهاز فى خدمة مرشح واحد/ كما تكسر أسطورة السيسى الملهم الهابط كوحى ونعمة من السماء.. وتضع السيسى فى حجم (ابن الضرورة).. الذى تعالى على الانتخابات وتعامل على أن الشعب تحصيل حاصل، وأنه ناجح ناجح.. فعاد الشعب إلى النوم انتظارًا للفرجة على ما سيفعله البطل الصنديد.. هذه بعض الإشارات الأولى.. وسأنتظر حتى يكتمل مشهد الانتخاب.. وحتى ذلك الحين سأحكى لكم عن إبراهيم الفقى.. حكاية من «حكايات القاهرة» عن العمود الفقرى للعقلية التى تريد أن تحكم مصر.. مات إبراهيم الفقى ببؤس كامل.. بائع روشتات السعادة غادر الدنيا وحيدًا. غارقًا فى مشاعر برد لا توقفها أكثر من مدفأة. وهو أيقونة البحث عن القوة والدفء من الداخل. الحريق أكل البيت وصاحبه بشرارة كهربائية.
إبراهيم الفقى هو داعية التنمية البشرية. وحامل توكيلاتها من بلد المنشأ: أمريكا. حكايته عن ذاته تبدأ من ذروة مضمونة تتقطع عندها قلوب المصريين وتلمس أوتارهم الحساسة.. فالفندقى الناجح سافر إلى كندا (لماذا؟) وعمل فى جلى الأطباق (رغم أن هذه من سرديات السفر إلى أوروبا فى السبعينيات والثمانينيات وليس التسعينيات) وتغلب على كل ذلك وحصل أو اصطاد الدكتوراه (تشكك مواقع متعددة) وكما قال على صفحته الشخصية سجل علمين جديدين هما: علم قوة الطاقة البشرية وعلم ديناميكية التكيف العصبى.
إبراهيم الفقى مندوب مبيعات فى صورة «حارس أيديولوجى» لدولة تبحث عن إدماج لطيف لمواطنيها فى الماكينة. يعيد إنتاج التربية العاطفية عن المواطن المذنب.
الفرد مذنب/ يفسد حياته/ ويدمر المجتمع.. فى «ابدأ بنفسك..» و«ابحث عن الطاقة الإيجابية داخلك..».. إلى آخر خطابات «التنمية البشرية» التى تبدو كتالوج الاندماج والتوافق مع الماكينات الهدارة. بدون وقفة لإصلاح الماكينات أو إعادة ترتيبها أو تفكيكها.. كيف تصنع سعادتك بمفردك؟ كيف تعتبر أن خلاصك سيكون «بالحب..» تجاه البشرية، تلك المحبة البلهاء التى تفرغ النظام الاجتماعى من صراعاته وأيديولوجياته لتبقى الأنظمة قدرًا لا يمكن تغييره.. وعليك أن تدخل فى حجرات التأمل واليوجا بحثًا عن الصفاد، وتبحث عن شبكات الـQ لتصبح مليونيرا. سعادتك طريق فردى مطلق. تلغى فيه فرديتك بكتالوجات إبراهيم الفقى التى أصبحت مع توغلها الرهيب فى المجتمع الطريق المعتمد للسلطة.
فعلا مصر ستعيش سنوات تحت حكم التنمية البشرية/ لا أيديولوجيا/ ولا مؤسسات/ ولا منظومة علاقات/ فقط عليك أن «تصلح من نفسك» فسينصلح الكون كله.
تلغى الفردية مع تدجينها فى إطار تسييد منطق «التوافق» مع السائد والحالى ومواجهتها بتحضير طاقة من داخلك تحضيرًا يشبه تلك العفاريت التى كانت تتقافز حول إبراهيم الفقى فى محاضراته الطويلة.