الشعب إذن يريد النظام.. الديمقراطى.
هتفَت سيدة بعد أن أدلت بصوتها فى الانتخابات أمس بدعاء حار: ربنا يقدرك علينا يا اخويا.
كانت تخاطب المرشح الذى انتخبته رئيسًا. لعلها تعرف أننا صرنا شعبًا مختلفًا، بعضنا قرر أن يحكم على الانتخابات من مشاهدته للتليفزيون أو متابعته لصفحات الفيس. لكن الحياة فى مكان آخر.. فى الشارع، حيث الوقوف فى طوابير اللجان يمنحك هذه القدرة على تحويل البصر إلى بصيرة، على فهم هذا الشعب الذى عرف ماذا يريد.
نعم، الشعب -بصرف النظر عن موقفك العاطفى من ٢٥ يناير- نزل وهتف بأنه يريد إسقاط النظام، وأسقطه مرتين، لكنه لا يمكن أن يعيش أبدًا مع نظام ساقط، بل عرف وأدرك وأيقن أنه لا يمكن أن يعيش دون النظام.
لكنه حين يُقبل على الانتخابات، وحين يصوِّت فى الوضع مبتهجًا وراقصًا ومغنيًا، يريده نظامًا ديمقراطيًّا يديره هو بإرادته وبنفسه.
الشعب صار مهتمًّا بالسياسة ومهمومًا بها ومتكلمًا فيها ومتناقشًا حولها، ولكنه طبعًا لا يحمل الوعى الكافى ولا الفهم الحقيقى للسياسة، ومن هنا فالصخب أكبر من الإنجاز، والغضب يمتص الحماس والاندفاع فى طرق خاطئة أحيانًا حتى يصوِّب خطوته فيصيب هدفه. لكن هذه كلها نقلة مذهلة من لا مبالاة كاملة فى عصر مبارك إلى اهتمام مفرط بعد الثورتين. الاهتمام هو الذى سيقود إلى الوعى.
لكن الشعب، وهو يمارس الديمقراطية كى يتعلمها وكى يؤسسها فى وجدانه، إنما يفعلها بغير ما تجدها فى أى مكان، يفعلها غاضبًا حتى التعصب، ومبتهجًا حتى الرقص.
الشعب المصرى يمصِّر الديمقراطية!
لا يمكن أن تجد شعبًا ينتخب مثلنا فى أى مكان فى العالم، الشعب المصرى يضحك ويغنى ويلقى قفشات ويقدم أفْكَه ما عنده متخليًا عن غليان الانتخابات إلى ودٍّ ممدود ووقفات تعارُف وتواصل اجتماعى حقيقى فى لجان التصويت!
أجمل ما فى انتخابات الرئاسة هى هذه الحالة من البهجة فى الطوابير واللجان والشوارع.
هى حالة البشر والاستبشار والتفاؤل ومشاعر أهل فى فرح ابنهم الكبير.
هى حالة الطمأنينة الآمنة والثقة المتباهية، حيث مشاعر طلبة مذاكرين وعارفين إنهم داخلين طب!