من يحمينا من كل هذه الغلظة؟ هذه أرواح ثقيلة تطل علينا من صور الأخبار... وشاشات تحاصرك أينما كنت... وزعماء يخرجون من أكياس البقالة... ووعاظ تمد يدك داخلهم فتجدهم ينعمون بفراغ الروح. يتكلمون عن الروح ويروجون للطلاء على أنه أصل الحياة... من أنتم؟ أقولها فى اليوم ألف مرة؟
2 أسير فى شوارع مدينة بناها عشاق ومحبون بكلماتهم وأحلامهم وخيالهم...وتركوا هنا علامات هى البنية الأساسية... التى تقاوم تفاهات من يتصورون أنهم قادة فى معسكرات الرشاد، وسخافات من يتخيلون أنفسهم رسلا أعادتنا من عصر الضلال... وألاعيب لصوص أمس والغد.... كل هذه الأرواح الثقيلة تحاصرنى... تجعلنى مستفزا أبحث عما أحبه ويجعلنى مستمرا هنا.
3 هل لديك مبرر لإقامتك فى مدينة يسيطر عليها كل ثقلاء الظل فى السياسة والفن والثقافة والصحافة؟ هل تبحث عن مدينة غارقة تحت منتجات ٣٠ سنة انحطاطًا؟ ... من أنتم؟ أزيز أرواحكم الثقيلة يقتلنا كل يوم... لكننا نقاوم. نقاوم فعلا وهذا سحر المدينة. نقاوم لأن لدينا ما ندافع عنه.
4 لدينا ما نرسم به على الحائط صور شهداء يبتسمون. تزلزلنى ابتسامة الشهيد وكرمه الخلاب. لدينا ما يجعل هذا الشهيد يذهب فى رحلته الأخيرة مبتسما. لدينا ما نخاف عليه. لسنا صحراء يبنون فيها مدنًا مكيفة وعلبًا للحياة بدلا من الحياة. لدينا ما ندافع عنه... ما نحبه... ما تشحننا به مشاعر تعمل ٢٤ ساعة لتحب وتكره.. تخاف وتهيم فى هذه المدينة.
5 ماهينور ليست وحدها. فتاة إسكندرانية تشبه أحيانا راهبات الجبال عاشقات الإنسانية.. وأحيانا تشبه لاعبات القفز بالزانة.... تثير تعاسة غريبة بدفعها إلى عتمة زنزانة عقابا على تظاهرها من أجل استعادة حق خالد سعيد. ماهينور صاحبة الاسم الشاعرى «ضوء القمر..» تملأ فراغات الشارع وحدها...بطولها... وتعبر عن جيل استطاع تقديمه معنى للتضحية... تلك القيمة التى أفقدها دخول العالم كله فى ماكينات كبيرة... ليست وحدها.. وكانت هذه أحد وعود ٢٥ يناير، حيث التضحيات الكبيرة من أجل السعادة... لم يكن صراعا على السلطة ولا تمجيدا فى دولة تنهار كلما تضخمت قبضتها الأمنية.. كلما احتاج حكامها إلى شغل الفراغ بخرافات عن بطولاتهم ونزولهم كمبعوثين من السماء.