قبل أن أنصرف قلت له أوصِنى يا برما، فقال: الكُتاب أمثالك وحدهم يعرفون أن الأفكار فى كل مكان ما عدا غرفة المكتب. قلت له: أكل العيش صعب، فقال: فعلا، ولكن لتعلم أن الشخص الوحيد فى العالم الذى «يأكل عيش» بالضبط فى مكان «أكل العيش» هو طبيب الأسنان. قلت له: هذه فذلكة، فقال: بالعكس الفكاكة بهجة المغفلين. وأنا أتفادى الفذلكة بقوة، لأن كثرتها تؤدى إلى حدوث تسلخات فى المخ.
لا شىء أجمل من تأمل القدر وتجنب تشريحه بالفلسفة، لكن هذا لا يمنع إيمانى بأنه لو كانت الفنانة منى جبر قد توفيت فى أثناء الولادة ضمن أحداث فيلم «الحفيد» لحرمت مصر كلها من أغنية «السبوع» الوحيدة التى تمتلكها. قلت له: هذه جملة تصلح للكتابة على «تويتر»، فقال: أسوأ ما فى «تويتر» أنه اقتطع مساحة من الوقت المخصص للقراءة تحديدا الخاصة بالحمام.
قلت له: بس بينفع، فقال: بينفع فى الزحام، فالمشكلة فى «وقفة المحور» أنها تتحول لا إراديا إلى «وقفة مع النفس»، لكن المأساة الأكبر فى «تويتر» أنه يقدم تطبيقا لنظرية تقول إنه فى هذه الأيام تضيع الأفكار بالتدريج وتتوارى لصالح الهوهوة. قلت له: هذا كلام لا يشبه الديمقراطية أبدا يا برما، فقال: الديكتاتورية تساعدك على تحطيم الأفكار التى بدأت الناس تقدسها رغم كونها مضللة، مثل نظرية «حب ما تعمل، حتى تعمل ما تحب»، فالواقع يقول إنك إذا أحببت ما تعمل فلن تعمل ما تحب أبدا.
وعموما النظر إلى الفكرة من جانب واحد يعميك عن تجليات كثيرة لها. يقول الإنسان «عصفور على اليد أفضل من عشرة على الشجرة»، وتقول الشجرة «الإنسان مجنون، فعشرة عصافير فى أحضانى أفضل من واحدة فى يد إنسان»، وتقول العصافير «عبوكوا كلكوا». والقطط التى يعيِّرها البعض بأنها بـ7 أرواح، لا يعرفون أن الله خلقها بـ7 أرواح حتى تحدث التوازن البيئى المطلوب مع الأرواح التى تتلوث بمرور الوقت. ويقولون عن القطط «بتاكل وتنكر»، و«بتاكل ولادها»، طيب ما هو طبيعى إنها إذا أكلت أولادها أن «تأكل وتنكر».
الناس مشكلتها عموما أنها مشغولة بالناس، مع إنك لو خليتك فى حالك هتكسر الدنيا. الناس غريبة عموما، بل إن الناس أكثر غرابة مما يعتقد وائل جسار. قلت له: ولكن المنافسة سر دوران الكوكب يا برما، فقال: يا هناه اللى ينافس نفسه. خليك فى نفسك، ولا تصدق نظرية «الإستلواح سر النجاح»، وابحث عن باب جديد فى الحياة لتفتحه، ولتضع فى يقينك أن الشخص الذى فتح الباب هو الذى اخترع الطريق، فامنح البشرية طريقا جديدا ولو بإشارة منك باتجاهه.
البشر الذين يعيشون لهذا السبب هم الذين عاشوا بالفعل، وما سواهم من البشر مجرد «فخار بيكسر فى بعضه». سيطر الصمت على المكان، بينما ألم أشيائى لأنصرف وأنا أفكر فى الكلام. قلت له: أشكرك يا برما، وجودك فى حياتى صنع فارقا لم أحلم به. بس صارحنى إنت لو مكانى كنت هتعمل إيه؟ قال: أنا لو مكانك أروح أتعالج. قالها ثم اختفى