المثقف كما أنه هو المدافع عن الحرية والذي كثيرا ما يدفع الثمن فإنه هو دائما أيضا أداة الدولة في تكميم الأفواه ، وسوف تكتشف ان النظام الحالي في سعيه وراء تحجيم الابداع يستعين بهم بل الاكثر من ذلك هو أن عددا من اعضاء مجلس النقابة معينون في تلك اللجان بحكم انتمائهم للنقابة ليمنحوا غطاء شرعيا لكل قرارات المصادرة .
نقابيون سواء في اللجنة الاجتماعية التى انشأها وزير الثقافة مؤخرا أو لجنة التظلمات التى شاركت في حبك تمثيلية المصادرة ،لم نسمع صوتا نقابيا واحدا يصرخ قائلا "ابدا.. لا لن أتحول الى أداة لطعن الفن " و يعلن استقالته من اللجنة ، التي تحرص الدولة على منحها مشروعية أدبية وقانونية بضم أعضاء مجلس النقابة إليها.
للدولة جناحان للسيطرة على الحياة الفنية والثقافية فهي التى تختار الوزير القادر على تدجينهم أقصد المثقفون باحتوائهم وضمهم الى لجان ، والسلاح الثاني هو ضمان ولاء ممثلي النقابات الفنية ، الذين يتم احتيارهم بإرادة حرة من أعضاء الجمعية العمومية ، بينما نكتشف من خلال الممارسة أن لدى أغلبهم رغبة في الحصول على قضمة كبيرة من تورتة الدولة .
تستطيع أن تجد رابطا عضويا لكل هذه المفردات التى تشكل صورة الفن والابداع القادم الذي سيصبح مع الزمن داخل الحظيرة بحجة يرتضيها الناس وهي حماية المجتمع من الانفلات، والحقيقة ان الدولة تخشى ان تطولها الانتقادات فتبدأ في الحديث عن الفن الملتزم الذي يراعي القيم وتؤكد ان دورها هو مطاردة الفن الهابط فتجد في هذه الحالة غطاء جماهيريا متوفرا لها وعلى الفور تمارس دورها في ضرب اي عمل فني يخرج عن الصف بحجة انها تحمي قيم المجتمع .
لن تقل الدولة مطلقا انه يتجاوز الخطوط السياسية المسموح بها ولكنها دائما وابدا سترتكن الى ان هناك ثوابت لا يجوز اختراقها وان العمل الفني الذي تمت مصادرته تجاوز تلك الحدود ودورها هو ان تضبط إيقاع الحياة الفنية من الانفلات.
الرأي العام بطبعه متحفظ وهو كثيرا ما يرحب بتلك القرارات ، تأملوا ما الذي حدث في الاسابيع الاخيرة كانت الرقابة قد وافقت على عرض فيلم "نوح" واعلن صابر عرب وزير الثقافة ان الرقابة هي التى تملك قرارها وليست لأى جهة اخري سلطان على قرارها، ثم ما حدث فعليا هو أن الفيلم لم يعرض حتى الان ، في الحقيقة لا يوجد رسميا قرار بالمصادرة ولكن رأينا ماهو ألعن أنه التواطؤ على عدم عرض الفيلم الذي كان في الطريق لدور العرض ، أضف أيضا فيلم "ابن الله "عن حياة السيد المسيح عليه السلام عندما طلبوا من الموزع في القاهرة ألا يتعاقد على شراء النسخة ، يواكب ذلك " حلاوة روح" الذي كان قد عرض فتم رفعه بعد تدخل رئيس الوزراء بينما اعلن وزير الثقافة انه هو الذي اصدر القرار وكلنا نعلم انه قرار رئيس الوزراء ، ثم جاءت لجنة التظلمات وكأنها توجه تحية مباشرة للدولة الممثلة في رئيس الوزراء الذي استجاب لشكاوي المجتمع وتدخل وشجب ومنع فجاء القرار متوافقا تماما معها معبرا عنها فصادروا الفيلم ،بل يبدو الامر برمته وكان رئيس الوزراء الممثل لسلطة الدولة التنفيذية العليا قد استشعر مبكرا الخطر ولا تستطيع ان تفصل حذف مشهد من فيلم " بنت من دار السلام" بعد موافقة الرقابة من خلال لجنة لرعاية المجتمع تُمثل فيها أيضا النقابة ، سوى على أنه يواصل نفس النهج.
انها تنويعات مختلفة على نفس "التيمة" القادمة وهى تشير الى أن ان القادم اسوأ وان هناك تمهيد للكبت والتكميم . يتوجهون أولا وكالعادة بحذف رقصة او غنوة او نكتة ليتم بعدها اغلاق كل الابواب ،وسوف تكتشف ان كل هذا يتم من خلال مثقفين وممثلين للنقابات الفنية ليصبح ليس قرارا للدولة بقدر ما هو تلبية لرغبة هؤلاء المثقفون واعضاء مجالس النقابات الفنية الذين لا غرض ولا ناقة ولا جمل لهم إلا المجتمع وسلامة المجتمع وسلم لي علي المجتمع " قاعدين ليه ما تقوموا تروحوا"!!