ذيل الحصان كان تسريحتها المفضلة. كعادة راقصات الباليه تأكيدًا على صورة عن الرشاقة، مستوحاة من طول الوقوف على طرف الأقدام طلبًا للعلوِّ والطيران. رئيسة فريق الباليه فى نادى «هليوليدو» سارت على درب طبقتها وعائلتها غربية الملامح، وأبيها الطبيب الذى تزوج الممرضة البريطانية فى أثناء الدراسة وتعلم العزف على البيانو، وارتباط القراءة بالتسلية، فهى تحب القصص البوليسية. مثل طبقتها أيضًا، تعلمت فى مدارس تبدأ بـ«السينت»، ولعبت السباحة.
والأب القادم من مطاى (التابعة للمنيا فى الصعيد) فى رحلة انتقاله إلى مستوى آخر من الطبقة (عبر التعليم)، لم يجد فى حداثته غضاضة أن يزوجها وعمرها 18 عاما من قائد فى الكلية الجوية. هذه الفراشة الحالمة بأن تكون مضيفة جوية، وكانت نشيطة فى أول صباها إلى درجة استضافتها فى العام 1955 فى مجلة «الجيل» لتحكى كل ذلك ضمن باب «تذكروا هذا الاسم». وبالفعل، تذكرت مصر هذا الاسم، لكن بتعديل أوصل الفراشة إلى لقب أرضى بعض الشىء «الهانم»، وذلك بعد سنوات قليلة من تحول «سوزى ثابت» إلى «سوزان مبارك»، نسبة إلى زوجها الذى أصبح فى العام 1976 نائبًا للرئيس. هى عادات طبقتها نفسها، حيث الشكل، لا ما يعنيه، أو الطقس، لا الحياة.
سوزى لم تكمل طريقها فى رقص الباليه ولا فى الضيافة الجوية ولا فى السباحة، لكنها أصبحت زوجة ضابط اكتشف طموحه بعدما التقطه السادات ليصبح وهو بعد الخمسين السائر، وحده فى قصر الرئاسة. انتقال أقوى جعل زوجة الضابط «هانمًا»، ووضع «أل» لتكون الوحيدة المستحقة للقب، كملكة، أو كوصف لمكانها فى نظام تمت هندسته بالمصاحبة مع فك ذيل الحصان، وتغيير فورمة الشعر لتصاحب عظمة «السيدة القادرة المتحكمة»، الحائزة وحدها بطولة الثروة والسلطة والقوة. و«سوزى» لا تنتظر دورها، لكنها أصبحت مانحة تصاريح، واسمها كان يلقى فى نفوس الحاشية والشعب شعورًا غامضًا بالهيبة، ونوعًا غريبًا من الحنق معبرًا عن ثقافة قديمة (تتوتر من قيادة المرأة لزوجها أو عبر زوجها)، ومعبرًا أيضا عن الخوف من تحول الكواليس إلى الإدارة الفعلية.
المسرح انقلب وأصبحت الكواليس هى المنصة الحقيقية، وسردياتها هى الواقع، بينما خفت الواقع أو تحول إلى واجهة باهتة. وهنا اتسع دور «الهانم». مرت باختراع حب ظالم لابنها جمال، يتصور فيه أنه سيرث مقعد أبيه. سوزان مبارك، أصبح لقبها «الهانم»، دليلًا على تفردها ولعبها أدوارًا واضحة، لم يكن ممكنا معها استخدام اسمها من دون الشيفرة التى تدل على احترام، وتختصر هيبتها وتبجيلها بين كل المحيطين بقصر الرئاسة.
كيف انتقلت الحالمة بموقع مضيفة الطيران إلى سيدة قصر يتصور أنه قادر على اختراع واقع أو فرض واقع من صنع خيال أصحابه؟ بمعنى: كيف أصبحت السيدة العادية بهذه القوة التى تصور لها أنها قادرة على تغيير الواقع ليتوافق مع شهوتها فى استمرار عائلتها على رأس الحكم، أو حتى فى انتقال إدارة القصر من الأب إلى الابن فى حياة الأب نفسه؟ من أين قفزت هذه الأفكار التى جعلت سوزان مبارك بهذه الأهمية فى نظام يدار غالبًا بشكل محافظ منذ العام 1952، حين أراد العسكر إثبات أنهم مختلفون عن الملك فاروق بكل الحكايات المتناثرة عن فساده الأخلاقى وغرامه باصطياد النساء ولعب القمار؟ النظام المحافظ سمح للسيدة بأن تمدد نفوذها إلى درجة جعلتها فى الأساطير المحيطة بالقصر، شريكة لزوجها وليست مجرد محركة لمسيرة الشهوات العائلية فى الخلود على رأس السلطة، أو حتى فى التحكم إلى الأبد بمفاتيح إدارة البلاد.