حذارِ من حكم السيكوباتى..
قالها وغفل فى نومة عميقة..
لم يشرح طويلًا..
اعتمدتُ على الخبرات القديمة فى تقديم اختصار لتعريف السيكوباتى ولم أجد توصيفًا محددًا إلا أنه مجرم بالفطرة..
.. والسيكوباتى خطير لأنه خارج إطار الجريمة العادية.. أو الإجرام الذى ترى ملامحه.. إنه عكس ذلك تمامًا.. يبدو أليفًا ومحببًا وودودًا..
قد يجلس بجانبك.. قد يكون صديقك.
قد يثير تعاطفك ولو قليلًا.. قد تنتظره ليخلصك من الخوف والرعب والأرواح الشريرة.
إنه الوحش الذى تربى على مقربة منك. وتركك على رف ضحاياه تعيش فى انتظار عودته بعد رحلة قصيرة إلى السجن واللعنات.
ولهذا مثلًا هناك مَن يترحمون على أيام «حبيب العادلى».. أشهر سيكوباتى من النوع المصرى.
العادلى ماركة وحده حتى بين رجال مبارك.. إنه نموذج سيدرس فى مصحات النفس والمراجع العلمية عن علاقة السلطة بالإنسان وكيف يتحول المرض النفسى إلى أداة فى حكم الشعوب.
العادلى أصر فى خطبة قالها فى أثناء محاكمته على ممارسة طقس تعذيب (يقترب من أن يكون له نفس أثر التعذيب الجسدى الذى استسلمت له مصر سنوات كاملة).. نوع غريب من العنف اللفظى الذى يعتمد على طاقة الشر الكامنة داخل شخص بعد أن يقتل يرتدى روب الحمام لا ليقابل عشيقته، ولكن ليتلذذ بأن لديه فرصة للحياة، بينما المقتول كان تحت رحمته.
السيكوباتى العادى.. هو مريض إذا بحثت فى التعريفات الجاهزة عنه ستجد أنه: «يجيد تمثيل دور الإنسان العاقل وله قدرة التأثير على الآخرين والتلاعب بأفكارهم، يتلذذ بإلحاق الأذى بمن حوله (خصوصًا المقربين.. الزوج أو الزوجة.. أو الموظف الأقرب إليه أو صديقًا ساعده يومًا مًا.. أو زميلًا صعد هو على أكتافه..)».
السيكوباتى.. «عذب الكلام، يعطى وعودًا كثيرة، ولا يفى بأى شىء منها، عند مقابلته ربما تنبهر بلطفه وقدرته على استيعاب مَن أمامه وبمرونته فى التعامل وشهامته الظاهرية المؤقتة ووعوده البراقة..».
ولكن «حين تتعامل معه لفترة كافية أو تسأل أحد المقربين منه عن تاريخه تجد حياته شديدة الاضطراب ومليئة بتجارب الفشل والتخبط والأفعال اللا أخلاقية.. لأنه قد يدوس على كل شىء فى سبيل تحقيق ما يريد، بما فى ذلك القتل، ولا يهمه مصائب الآخرين أبدًا ما دام بعيدًا عنها، وله ذكاء خاص يتحايل به، وقد ينجح بعض هؤلاء فى الوصول إلى بعض المناصب الكبيرة نظرًا إلى انتهازيتهم وذكائهم الذى لا يعبأ بأى خلق، ولا يتورع عن أى عمل يوصله إلى ما يريد..».
العادلى سيكوباتى مصرى من صنع عصر مبارك وتربيته النفسية ما زالت تتحكم بمزاجها فى بقايا النظام وقطاعات من المستسلمين لجاذبية السيكوباتى. نعم.. السيكوباتى جذاب.. وساحر.. ولسانه حلو.. ومتخصص فى صيد الحيارى.. والحالمين الضعفاء.. والباحثين عن فرصة أكبر منهم.
وللسيكوباتى خطاب الهذيان الصامت، يتكلم ساعات ولا يقول شيئًا ولا يبقى فى الذاكرة سوى كلمات ترن فى الوعى الحائر: الواقعية.. الواقع.. الأمر الواقع. بهذه الكلمات اصطاد العادلى ضحاياه.. الذين عاشوا معذبين فى أيامه الملعونة، ورأوه يهرب مهزومًا ليلة 28 يناير واكتشفوا فشله فى الحفاظ على راعيه السيكوباتى الأكبر مبارك.. لكنهم ينتظرونه كما تنتظر الجماعات المنقرضة إلهها الغائب.. أو ديناصورها المدافع عنها رغم موته أو نهايته أو فقدان فاعليته وحيويته. العادلى المنتظر الآن من المذعورين لا يدركون أنه صانع آلة الأمن والإرهاب معًا.. وهو فى سجنه أو حيث يختفى فى زنزانته يقول: أنا مؤامرة.. نعم مؤامرة.. لأنكم ضحاياى وضحايا هذا الرجل العجوز الذى ينام على السرير بجانبى.. إنكم غير قادرين على صنع ثورة.. مَن أنتم حتى تثوروا علينا.. من أنتم حتى تنتصروا على الخوف الذى جعلناه خبز يومكم؟
السيكوباتى يقتل أكثر من مرة.
ويعدو إلى مكان جريمته ليرتكبها من جديد.. ومعه يعود ضحاياه كأنهم قادمون من عالم خرافى يتوسل فيه الضحية بأن يعود قاتله.