فاكرة كتاب الأحياء؟ فاكرة الجزء اللى كنا بناخده عن الانتخاب الطبيعى؟ فاكرة عبارة «البقاء للأنسب»؟ فاكرة السؤال عن طول رقبة الزرافة؟ عارفة لما بنقول فى حياتنا العادية القطط والأسود والنمور من فصيلة القطط، والكلاب والذئاب والثعالب من فصيلة الكلبيات؟ دا جزء أساسى من نظرية التطوُّر. من محاولة الإنسان إنه يفسر الكون من حواليه. من محاولة الإنسان إنه يفهم علاقة المخلوقات ببعضها، ويقسمها لعائلات، وفصايل/ «أصول مشتركة».
ليه باقول كده قبل ما ابتدِى؟ علشان دى أهمّ حاجة عايز أقولها من كل السلسلة عن التطوُّر. ماتخليش حدّ يخدعك ويخوِّفك من العلم. ماتخليش حدّ يمسك فى حتة صغيرة، أو جملة مبتسرة لا أساس لها من الصحة، ويحوِّل تشارلز دارون إلى شيطان، لأنك بتستخدمى ٩٠٪ من المعلومات اللى وفرتها نظرية التطوُّر فى حياتك اليومية، ومغروسة فى وعيك الحديث، يمكن من غير ما تاخدى بالك. ولو تشارلز دارون يستحقّ منّنا أى حاجة فهو يستحق منّنا نشكره. الإنسانة من أول التاريخ بتحاول تفهم هى إيه، وعلاقتها إيه بالطبيعة اللى حواليها.
أقدم محاولة متسجلة عندنا هى محاولة أفلاطون وأرسطو قبل الميلاد بحوالى ٦٠٠ سنة. هما الاتنين كان رأيهم إن الكون «اللى يعرفوه» كله، بما فيه الإنسان، جزء من منظومة واحدة. بعدهم كان فيه فيلسوف رومانى اسمه لوكريتياس، ودا كان عايش فى القرن السابق لميلاد المسيح، لوكريتياس كان رأيه إن جدود الإنسان ماكانوش زى الإنسان المعاصر، إنما كانوا عايشين عيشة شبيهة بعيشة الحيوانات، عايشين فى الكهوف وماعندهمش أدوات، ولا عندهم لغة.
الفلاسفة الإغريق والرومان بوجه عامّ كانوا بيعتبروا إن الأدوات و«اختراع» النار، واللغة، كلها كانت نقلات مهمة جدًّا فى حياة الإنسان. نقدر نقول إن كان عندهم فكرة قريبة من فكرة التطوُّر، ولكن ليس التطوُّر فى الشكل والتشريح، إنما التطوُّر السلوكى، والذهنى والمعرفى. دول كلهم عاشوا فى وقت ماكانش الدين الإبراهيمى ليه تأثير فيه على الحياة الثقافية فى العالم. اليهودية كانت مقتصرة على مجموعة من القبائل الرعوية الصغيرة اللى عملت دويلة صغيرة حياتها قصيرة.
فى القرون التالية، مع انتشار المسيحية، حلّ الإيمان الدينى محل التفكير العقلى المجرد. أصبحت الكتب المقدسة هى المصدر الرئيسى لمعرفة تاريخ الإنسان. قعد الوضع فى أوروبا على هذا الشكل لغاية ما العرب انهزموا من إسبانيا. ساعتها رجعت أوروبا تكتشف التراث الفلسفى الإغريقى اللى كانت أوروبا المسيحية أهملته تمامًا. والكتب الفلسفية الإغريقية ابتدت تترجم من العربية إلى اللاتينية. المُنظِّر الدينى الإيطالى توماس الإقوينى بدأ يدخّل شوية من الفلسفة الإغريقية فى تفسيره للكتاب للمقدس. الكلام دا كان فى القرن الـ١٣، ودى كانت خطوة أولى فى طريق التخلص من «الدوجما» بخصوص قصة الإنسان على الأرض. الدوجما معناها الاعتقاد الثابت غير القابل للمناقشة خصوصًا لما يكون فيه أكثر من وجهة نظر فى الموضوع.
الخطوة التانية المهمة كانت بعد كده بحوالى ٣٠٠ سنة، بالتحديد لما علم التشريح اتحول لأول مرة إلى علم حقيقى. كان فيه طالب طب هولندى اسمه أندرياس فسالياس أخد باله من تناقض بين اللى أستاذه بيقراه من الكتاب، واللى هو شايفه فى الجثة اللى بتتشرح قدامه. ممكن تكون الاختلافات بسيطة، لكنها كانت بالنسبة له مهمة. والطالب دا قرر إنه هينسى المكتوب فى الكتب المتاحة، وهيكتب بنفسه كتاب تشريح دقيق. الطالب دا هو مؤسس علم التشريح الحديث بكتابه اللى صدر عام ١٥٤٠ واللى عنوانه «Fabric of the Human Body» (قماشة الجسم الإنسانى).
من الآن فصاعدًا هيكون عندنا وصف دقيق لجسم الإنسان. لشكل عظامه. لحجم جمجمته، وشكل العضم فى الجمجمة، شكل صوابع الإيدين والعضم اللى بيكوّنها، شكل عظام الساق ونسب أطوالها، وهكذا. وهنفهم العلاقة بين الشكل والوظيفة.. ماتنسيش حاجة، كل المعلومات دى هتتوفر لدينا عن الإنسان المعاصر. ماكانش عندنا أى معلومات عن الإنسان من العصور القديمة. أكيد إنك اتوقعتى الخطوة التالية المهمة هتكون إيه.