مر الحكومة فى مصر عجيب، ربما تكون لها أسبابها فى رفض إلغاء العمل بالتوقيت الصيفى، ولكن هل معنى ذلك أن تستخف بقرار اتخذه المجلس الموقر ووافق عليه نواب الشعب؟!. أتصور أن مثل هذا الأمر لا يليق بحكومة تحترم شعبها، وتعلم أن الكثير من المواطنين يتبرمون من فكرة العمل بالتوقيت الصيفى، وأن النواب عبروا بالقرار الذى اتخذوه عن توجه شعبى عام. لقد ذكرت الحكومة -بعد إصرارها على رفض قرار النواب- أنها ستوضح للمجلس الموقر الأعباء المالية المترتبة على إلغاء التوقيت الصيفى فى مجالات الكهرباء والبترول والطيران، لكن هل يشفع ذلك للحكومة فى إصرارها على أمر مرفوض نيابياً وشعبياً؟!.
من الوارد أن تكون لدى الحكومة أسباب لرفض قرار معين، لكن هذه الأسباب تصبح عديمة القيمة إذا رفضها مجلس شعبى منتخب؛ لأن الدستور ينص على أن الشعب هو مصدر السلطات، وبالتالى فهو الحكم، ورأيه بات لا نقاش فيه، ومن المفترض أن تحترمه الحكومة. لقد توقفت كثيراً أمام الخناقة التى وقعت فى البرلمان أثناء نظر مجلس النواب للموازنة العامة للدولة. فقد اعترض أحد النواب على عدم حضور الحكومة، فرد عليه المستشار مجدى العجاتى، وزير الدولة للشئون النيابية، قائلاً: «اعتراض النواب على عدم حضور الحكومة فى غير محله وفى الأساس لم توجه دعوة لرئيس الوزراء من جانب الحضور»، فبادر أحد النواب «العجاتى» بقوله: «إحنا بنمثل الأمة المصرية»، وهو ما رد عليه «العجاتى»: «شكلى ماكنتش عارف إنك ممثل للأمة المصرية».
الرد كما هو واضح فيه قدر من السخرية والاستهانة بمجلس النواب، ويعكس موقفاً يتشابه مع موقف بعض القطاعات الشعبية من هذا المجلس، نتيجة ضعف المشاركة فى الانتخابات التى أتت به، وغرابة التركيبة التى يتشكل منها أعضاؤه، لكن هذا المجلس -أياً كانت تحفظاتنا عليه- يجمع -فى النهاية- نواب الشعب، وله الأهلية الدستورية التى تمكنه من ممارسة دوره، وما يمكن تبريره فيما يتعلق بالمواطنين العاديين، يصعب تبريره على مستوى الحكومة، والوزراء فى كل الأحوال مطالبون باحترام مجلس النواب؛ لأنهم مسئولون أمام أعضائه، وإذا لم يكن لديهم وعى بذلك فمن المؤكد أن هناك «حاجة غلط» فى تفكيرهم!.
أمر آخر يستحق التوقف أمامه فى قرار الحكومة يتعلق بمراجعة مجلس الدولة لقرار إلغاء العمل بالتوقيت الصيفى قبل التصويت النهائى عليه، فمع احترامى الكامل لهذا التوجه، إلا أنه ينتقص من سيادة المجلس، سيد قراره، كما كان يردد باستمرار آخر رئيس لمجلس الشعب قبل ثورة يناير، الدكتور أحمد فتحى سرور. فقدرة الحكومة على التنصل من قرارات مجلس النواب، وضرورة مراجعة مجلس الدولة لقراراته، يعنى أننا أمام «مجلس ديكورى» بامتياز، وهو توجه يؤكد رؤية بعض المواطنين وتقييمهم لهذا المجلس على أساس أن ليس بمقدوره أن يحل أو يربط أو يتخذ أى قرار بعيداً عن إرادة ورغبة الحكومة، وحتى إن فعل فإن الحكومة تضرب بقراره عرض الحائط، وتعيده إلى «بيت الطاعة» من جديد؛ لأن الحكومة ببساطة سيدة قرار النواب!.